رحيل البابا فرنسيس: إرث من التعاطف والشجاعة الأخلاقية
يُشكّل رحيل البابا فرنسيس نهاية حقبة اتّسمت بالتواضع والرحمة والتفاني الثابت في سبيل السلام والعدالة. وكأول بابا من الجنوب العالمي، قدّم رؤية إنسانية وأخلاقية عميقة على الساحة العالمية—تحدّت اللامبالاة ودعا إلى التحرك في وجه المعاناة.
طوال حبريته، ظل البابا فرنسيس مدافعًا ثابتًا عن كرامة كل إنسان، بغض النظر عن الدين أو الجنسية أو الظروف. تجاوزت كلماته وأفعاله الحدود الدينية، ولامست قلوب الناس من مختلف الخلفيات. وقف إلى جانب الفقراء، وأدان تجارة السلاح، وحثّ قادة العالم باستمرار على اختيار الحوار بدلًا من الانقسام، والرحمة بدلًا من الانتقام، والمصالحة بدلًا من الحرب.
حاجّ في الأرض المقدسة
كانت زيارته للأرض المقدسة عام 2014 تعبيرًا قويًا عن التزامه بالحوار بين الأديان والسلام في منطقة مزّقتها النزاعات طويلاً. خلال زيارته، لم يقتصر الأمر على زيارة المواقع المسيحية المقدسة، بل توقف أيضًا في تأمل صامت عند جدار الفصل الإسرائيلي. كما زار البابا فرنسيس مجمّع المسجد الأقصى في القدس—أحد أقدس المواقع في الإسلام. وقد كانت زيارته هناك بادرة قوية لاحترام الأديان، وتأكيدًا واضحًا على أهمية الحوار الإسلامي–المسيحي. كما شملت زيارته للأراضي الفلسطينية ولقاءاته بكلٍّ من القادة الفلسطينيين والإسرائيليين، تأكيدًا على إيمانه بالإنسانية المشتركة لكل الشعوب، وبالحاجة الملحة إلى العدالة والكرامة والتعايش.
صوت من أجل غزة والمظلومين
كان البابا فرنسيس من بين القلائل على الساحة العالمية الذين تحدثوا بوضوح وثبات عن معاناة غزة. لم يتردد أبدًا في تسمية الكارثة الإنسانية التي تتكشف هناك، ولم يُخفِ ألمه على الضحايا المدنيين، خصوصًا الأطفال. كانت دعواته لوقف إطلاق النار، وحماية الأرواح البريئة، والحوار الحقيقي، مستندة إلى وضوح أخلاقي وليس إلى انحياز سياسي.
وكانت علاقته مع المجتمع المسيحي في غزة مؤثرة بشكل خاص. فمنذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، كان البابا فرنسيس يُجري مكالمات هاتفية يومية مع رعية العائلة المقدسة في مدينة غزة، مقدمًا لهم الدعم الروحي والتضامن. وحتى أثناء وجوده في المستشفى بسبب مرض تنفسي، استمر في هذا الالتزام دون انقطاع.
البابا فرنسيس، إرث خالد: صوت شجاع من أجل العدالة في الأرض المقدسة
- في خطابه الأخير لعيد الفصح (20 أبريل 2025)، دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وتقديم المساعدات لغزة.
- في عام 2015، وتحت قيادته، اعترف الفاتيكان رسميًا بدولة فلسطين.
- أدان العنف من جميع الأطراف، وكان مناصرًا دائمًا للسلام والمساءلة.
- وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بـ”القسوة” وشكك في مشروعيتها الأخلاقية.
- في عام 2024، دعا المجتمع الدولي إلى التحقيق في إمكانية وقوع إبادة جماعية في غزة.
- أدان مقتل امرأتين مسيحيتين فلسطينيتين برصاص قناص إسرائيلي واصفًا ذلك بـ”الإرهاب”.
- دافع باستمرار عن حل الدولتين القائم على الاعتراف المتبادل والتعايش.
فليرقد بسلام، ولتحيا رؤيته لعالم عادل وسلمي في قلوب وأفعال كل من تأثروا بحياته
راتب ربيع، KCHS
الرئيس والمدير التنفيذي
مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية (HCEF)